Article

رحيل القائد المربّي المحنّك

بسم الله الرّحمن الرّحيم

رحيل القائد المربّي المحنّك!!

جاء الخبر يوم الجمعة: 13  من ذي القعدة 1436ه/ 28  من  أوت 2015م مفزعًا مفاجئًا الجميع، نبأ انتقال مؤذّن القرارة  إلى جوار ربّه راضيًّا مرضيًّا إن شاء الله تعالى. توفّي الشّيخ أحمد بن عاشور بن الحاج موسى الحاج عاشور، في السّحر، وهو يستعدّ للخروج إلى المسجد  - كالعادة -؛ ليؤذِّن الآذان الأوّل قبل طلوع الفجر، لينبِّهَ  النّاس أن يستعدّوا للقيام لأداء صلاة الصّبح، كان مقدمًا لينادي في النّاس أن قوموا واستعدّوا لصلاتكم، فناداه ربّه تعالَ إلى جواري، لقد انتهت مهمّتك، لقد أدّيت ما عليك نحو المسلمين، تعالَ لتهنأَ بعيشة راضيّة في جنّة عاليّة، قطوفها دانيّة...بعد سنوات من الجهاد والمرابطة قي مئذنة مسجد القرارة، وبعد عمر طويل حافل بجلائل الأعمال.. تعالَ واتركْ المجال لغيرك ليقوم بما كنت تقوم به، وليكمل الطّريق الذي سلكته، كما تركه لك سلفُك الحاج محمد بن حمُّو، ابن النّاصر (المؤذّن) – رحمه الله -  بعد أن ضعف وعجز عن القيام بالمهمّة الشّاقة الشّريفة، الذي قضى فيها أكثر من أربعين سنة، وأنت مكثت فيها سبعًا وثلاثين سنة متواصلة مترابطة، مرابطًا في المئذنة، مرتبطًا بالمسجد وما يتّصل به, بدأتها يوم الجمعة: 18 من ذي القعدة 1399ه/ 12  من أكتوبر 1979م، وأنهيتها يوم الجمعة: 13  من   ذي القعدة 1436ه/ 28  من أوت 2015م. البداية والنّهاية كانتا في يوم جمعة، وفي شهر ذي القعدة. سبحان الله مدبّر الأمور ومقدّرها أحسن تقدير ولحكمة يعلمها هو.

الحاج محمد المؤذِّن الذى دعاك في يوم جمعة لتؤذّن أوّل مرّة؛ إعلانًا وإيذانًا بترشيحك لتخلفه في الأذان؛ لما لمسه منك من المواظبة على عمارة المسجد، وكما كان يقول هو: كلّما شرعت في الإقامة للصّلاة وجدت باحمد الحاج عاشور بالقرب منّي. هكذا كان الحاج محمد مطمئنًّا وواثقًا ممَّن يخلفه في هذه الوظيفة التي تتطلّب رجلاً أمينًا حازمًا منضبطًا ملتزمًا.. فَكُنْتَهُ أيّها البطل!  أنت الرّجل المناسب في المجال المناسب.. هنيئًا لكم هذه الثّقة، وسُقيًا لكم ما قدّمتم.. لقد كنتم سليل والد عظيم، قام بهذه المهمّة أيضًا، وهو الشّيخ عاشور بن الحاج موسى – رحمه الله –سيكون – إن شاء الله - خلفُكم الأستاذ عمر بن حمّو شريفي في دربكم سائرًا، ولنهجكم مواصلاً، وعلى ما عوّدتم النّاس ملتزمًا، وما ذلك على الله بعزيز، وما ذلك عليه ببعيد. فقد نشأتم في بيئة واحدة، ونهلتم من معين واحد، وغًذِّيتم من مصدر واحد.. نسأل الله له التّوفيق والنّجاح في مهمّته، ثم الفلاح والقوز بما فزتم به في الدّنيا والأخرى.. نرجو ألآّ ينطبق على من يأتي بعدكم مقولة من قال عن سيّدنا عمر بن الخطّاب رضي الله عنه " لقد أتعبتَ من جاء بعدك".

كلّ من تحدّث عنك شيخنا الكريم! وصفك بأنّك قائد ماهر ومحنّك، وأنّك مربٍّ قدير، وخبير مجرّب. وأنّك معلّم مخلص، صادق، متفانٍ. وأنّك رجل منضبط، ملتزم، حازم. وأنّك متواضع، صديقٌ للجميع، وفيّ للإخوان، اجتماعيّ في سلوكك وتحرّكاتك..

عملت ونشطت في أكثر من مجال، وجُلْتَ في أكثر من ميدان، وَصُلْتَ في أكثر مضمار.. عملت في التّعليم في مدرسة الحياة، وكنت ناظرًا ومراقبًا في معهد الحياة، وقائدًا مبرّزًا  في الكشّافة، وفلاّحًا مقتدرًا في الحقل، وعضوًا فاعلاً في بعض الجمعيّات والمؤسّسات الاجتماعيّة.. كنت في كلّ ذلك الطّاقة المحرّكة، والبذرة الطّيّبة، والغصن النّضر، والشّجرة  المثمرة..

في كلّ هذه المجالات علّمت أبناءك وتلاميذك الأخلاق الحسنة والخلال العالية، والشّمائل الكريمة.. غرست فيهم الإيمان والتّقوى، وعلّمتهم: الاستقامة والنّزاهة، والثّبات والصّبر وقوّة التّحمّل، والاعتماد على النّفس، والتّخلّص من  رذيلة الخوف والجبن. زرعت فيهم خصال: الأخوّة والصّداقة الصّحيحة والمحبّة والصّفاء والوفاء..نثرت فيهم معاني الرّجولة والشّجاعة والإقدام والمروءة والشهامة، والعزّة والكرامة والإباء والشّمم، والنّظر والصّعود نحو القمم..  نشرت فيهم فضائل فعل الخير والتّعاون والتّضامن والتّآزر، مع تحمّل المسؤوليّة وخدمة الصّالح العام..

فعلت كلّ هذا وأنت تُعِدُّ من تحمّلت مسؤوليّة توجيههم وتربيّتهم وقيادتهم.. تُعدُّهم لخوض معترك الحياة بقوّة وثقة في النّفس، وتهيّئُهم لاستقبال طوارئ الحياة، ومستجدّاتها المفاجئة بمؤهِّلات ومكوّنات يكتسبونها في مرحلة التّكوّن والتّعلم والتّأهيل على أيدي أمثالهم.. فالدّهر أمّ العجائب، والحياة تتغيّر بسرعة، والأيّام تخفي أسرارًا كثيرة.. المستعدّ لتخطّي صعابها، وتجاوز مشكلاتها ومعيقاتها.. من تدرّب منذ الصّغر على أيدي أمثالكم..

كنتم بكلّ ما قمتم به مدرسة يتعلّم منها، ويتخرّج فيها من يريد أن يكون قائدًا ناجحًا، ومربيًّا محنّكًا، وموجّهًا قديرًا.. ووطنيًّا مخلصًا لدينه ووطنه ومجتمعه.. إنّكم نعم المربّي، ونعم القدوة، ونعم القائد، ونعم الرّجل.. تقبّل الله منكم أعمالكم، وهدانا لنقتبس من نوركم، ونسترشد بتوجيهاتكم. نسأل الله تعالى لكم المغفرة والرّحمة، ولنا الهداية والرّشاد والسّداد والنّصرة، إنّه نعم المولى ونعم النّصير..

                               

                                                            باتنة  يوم الخميس:  19   من   ذي القعدة  1436ه

                                                                                 03    م    سبتمبر      2015م

                                                                        الدّكتور  محمد  بن  قاسم ناصر بوحجام

Auteur(s): 

Mohamed ben quassem nacer bou hajjem

محمد بن قاسم ناصر بو حجام

من مواليد  03 نوفمبر 1951م، القرارة، غرداية
ـ زاول تعلّمه الابتدائي في مدرسة الحياة ( القرارة ) وفيها استظهر القرآن الكريم يوم 21 أوت ( أغسطس ) 1966م.
ـ التحق بمعهد الحياة الثّانوي ( القرارة) تخرّج فيه سنة 1972م.
ـ انضمّ إلى معهد اللّغة والأدب العربي ، جامعة الجزائر. تخرّح فيه سنة 1977م.
متحصّلا على شهادة اللّيسانس في اللّغة والأدب العربي.
ـ حصل على دبلوم الدّراسات الإسلامية من معهد الدّراسات الإسلامية بالقاهرة .